التقيت اليوم بأحد الأصدقاء ، وتبادلنا
اطراف الحديث في عدد من المواضيع ذات الاهتمام
المشترك ، وحضرت بقوة مواضيع الثأر وكثرة المشاكل الإجتماعية في اليمن الحبيب . وعند ما تعمقنا في الحوار و
النقاش وجدنا أن أحد الأسباب الرئيسة لتلك المشاكل , يرجع إلى آفة الغضب والضعف في إدارة المواقف
التي تحصل هنا وهناك . وكان من امتع ما سمعت منه قصة حصلت معه في المدينة التي
يعيش فيها و اليكم تفاصيل القصة ... ذكر صاحبنا أنه عندما قرر أن يبني له بيتاً ، و ابدأ صاحبنا فعلاً بالبناء و اثناء ذلك وجد انه يحتاج الى قرابة 20
سنتيميتر من ارض جاره تلزمه لعمل السور
الخارجي للبيت (الحوش) فستأذن اجار و اذن
له , و واصل صاحبنا البناء بمجموعة العمال اللذين تعاقد معهم لعملية البناء . و في
اثناء العمل أتاهم رجل لا يعرفونه قد احمر
وجهه و انتفخت اوداجه وارتفع صوته طالباً منهم
ان يتوقفوا عن البناء فوراً، وأخبرهم أنهم يبنون في أرض يملكها والده ، ومنعهم
من البناء بل وصل به الحال أن ضرب أحد العمال بحجر أثرت بشكل كبير في ظهره . وكان
صاحبنا في السوق لقضاء بعض حوائج العائلة ، فتم الإتصال به وأخبر بما جرى متوقعين
منه أن يرد الصاع صاعين ويأتي بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرشاشات
والعتاد والرجال الصناديد لإيقاف هذا المتعجرف وتأديبه بطريقة إبداعية تفصل رأسه
عن جسده في اقل الأحوال . الا انهم تفاجأوا بردة فعله الهادئة وهو يطلب منهم الا يتخذوا
أي قرار أو يتصرفوا بأي تصرف الى حين عودته . وفعلا انتظروه على أحر من الجمر
احتراماً له ولقراره ، حتى وصل واستمع الى
القصة منهم و بالتفصيل وبعد أن انتهوا ، طلب مقابلة الشاب المعتدي بكل ثقة وأدب
وسأله عن السبب الذي دفعه لهكذا تصرف ؟ فرد
عليه بكل عنجهية وسوء أدب , أنكم تستحقون أكثر من ذلك فقد
تجرأتم على ارضنا وبدأتم في البناء عليها دون
وجه حق ، فقال : وكم المسافة التي دخلنا
فيها قال : قرابة العشرين سنتيمتر فرد عليه صاحبنا وبكل رقي لقد جلست مع والدك
صاحب الأرض و استأذنته فأذن لي ، فقال : لا شأن لي بأبي أنا هنا أمامك فتكلم معي ،
عندها قام صاحبنا و بكل هدوء و في لباس
الحكمة اليمانية ، أمر بتكسير كل ماتم بناءه رغم أنه على حق ، وذهب بالعامل إلى
المستشفى , وبدأ في علاجه ثم جعل العامل يسجل شكوى في قسم الشرطة . وبعد الإنتهاء من هذة الإجراءات
التي تنم على شخصية إنسان يتحمل مسؤوليته تجاه من يعمل معه رغم أنه تراجع عن قضيته
الأصلية إلا أنه لم يترك حق هذا المسكين .
و ماذا بعد ...هل انتهى كل شيء , اليس من الممكن ان يقود هكذا تصرف ذلك
الطائش و امثاله الى مزيد من الاستهتار و التعدي
؟ نعم الحقيقة ان مشاهد القصة لم تنته و اليكم بقية الاحداث ., طلب صاحبنا مقابلة الجار( الوالد والولد) وأخبرهما بأنه لابد أن يتم دفع تكاليف علاج من اعتدي عليه من العمال و التي بلغت مائة ألف ريال , حسب التقارير الطبية و فواتير
الادوية ولم
ينته الامر الى هنا بل تم اعطاءه
نسخة من أمر ضبط من الشرطة حتى تأخذ القضية مجراها القانوني كونه اعتدى على
إنسان أثناء عمله دون وجه حق و أخبره بأن
قبيلة هذا العامل قد علموا بهذا التصرف وقد ربما ينتقمون منه في أي وقت ليأخذوا حق
صاحبهم منه . هنا عرف الشاب أن صاحبنا ليس بالضعيف الذي
قد يترك حقه أو يتسامح عن مثل هكذا بلطجة لا مبرر لها ، أدرك أنه الآن أمام ثلاث
جبهات الأولى دفع مبلغ العلاج ,الثانية حل المشكلة القانونية مع الشرطة ,الثالثة مشكلة اجتماعية مع أهل العامل هنا
أصبحت الكرة في ملعب صاحبنا عندما حاصره بكل ذوق وحكمة وحنكة دون أن يتصرف بعنجهية
أو اعتداء باليد أو بالسلاح . إنه حكم
العقل والمنطق اختار طريق التحضر وبدأ يدير الموقف بدهاء ، عندها جاء والد الشاب
ومعه ولده يعتذرون عن ما حصل وكرروا هذا الاعتذار. و بعد أن رأى
صاحبنا أن الشاب قد عرف خطأه وقبح ما قام
به و تعلم الدرس الذي لن ينساه , استعد
بتحمل نفقات علاج العامل وكذلك جعل العامل يتنازل عن القضية ولكنه لم يستطع اقناع
أهل العامل عن العدول عن رأيهم . لكنه ومع ذلك ذهب مع جاره و ابنه الى
اهل العامل وبدأ في إقناعهم بالأمر حتى تم
حل المشكلة من الأساس . عندها تعلم الشاب معنى وأهمية إدارة الغضب و عرف جمال الحكمة
والعقل الراجح وأصحبت علاقته مع جيرانه أكثر من ذي قبل ولم تحصل أي مشكلة بفضل
الإدارة الحكيمة وبالتخلي عن المشاعر
السلبية ودون الانجرار وراء العصبية المقيتة و صدق رسولنا الكريم حين قال : (انصر
اخاك ظالماً او مظلوماً) ووضح لنا ان الظالم تكون نصرته بنهية عن ظلمة و الاخذ على
يده. لهذا
نحن بأشد الحاجة في مثل هكذا مواقف أن نتمثل هذا الحديث في حل المشاكل بين
الاطراف المتنازعة والحرص على الخروج بأقل الخسائر .تخيلوا لو ان صاحبنا انجر بسبب تصرف الولد الطائش وما أكثرها في بلاد الإيمان والحكمة ، فلربما
صارت هناك معارك و لربما سالت دماء و تحولت
المشكلة الى قضية ثأر بين أسرتين او قبيلتين , خاصة أن الطرف الآخر ممكن يكون شاب
مراهق لاعقل له. إن إدارة المشكلات تأتي من إدارة الغضب أيا كان حجم المشكلة أيا
كان التصرف قف على نوعية ردة فهي والله من تقرر حل المشكلة أو
الإنتقال إلى الهاوية . و ما يؤلمني أن
النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : (الإيمان يمان والحكمة يمانية) لكن أين
أهل اليمن اليوم من هذا الحديث أين الحكمة
اليوم بين العائلات والقبائل والساسة ؟ هل ما يجري اليوم في يمننا الحبيب من قتل
ونهب وتشريد حكمة ؟ الاجابة اتركها لكم و لعل احداث القصة و
فصولها قدمت لنا حلولاً مفيدة
لمن كان له قلب او القى السمع و هو شهيد
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق